تلاقي الأرواح

تلاقى الأرواح
في ذكراها أخط لها هذه الصفحات حتي أوفيها بجزء من فضلها ،، إنها أمي الحبيبة التي فارقتنا ونحن في أشد الاحتياج إلى دفئ قلبها الحنون ،، أتذكر في ذكراها أشياء وأشياء كانت تربطني بها وتقربها مني ،،، كنت في كثير من الأحيان أرى أشياء وأشياء أثناء نومي ،،، أحلام اليقظة ...
كنت أرويها لها بتفاصيلها وكانت تصدقني القول دائماً ،،، هكذا ارتبطت روحي بروحها حتى اليوم ،،، وعندما نتكلم عن تلاقي الأرواح فسوف أسوق أولاً بعضاً من تلك الرؤى التي كنت دائما ما أراها لأقصها على والدتي رحمة الله عليها فكانت تصدقني القول ،،أتذكر في تلك الأيام الخوالي التي خلت من حياتها وقبل أن ترحل وأخص الثماني سنوات الذي توفى فيها الوالد رحمة الله عليه وكان يعمل نجاراً في كثير من البلدان المجاورة ،، وأثناء نومي أجد الوالد وقد أتي لي أثناء صلاتي في إحدى المصليات التي تقع على مشارف بلدتنا ،،، رأيته في أبهى صوره على الإطلاق ،،، رأيته بلبسه الأبيض الناصع وكان مبتسماً ... سعيداً ... كنت أرى في وجهه ابتسامة تخرج من قلبه وكأنه يعيش في الحياة الأبدية راضي النفس سعيد بها ،،، أجري إليه وأحتضنه وأقول له ،، إنت فين وغبت ليه عننا ،، يقول لي إسمع الكلام الذي سوف أقصه عليك ،،، يقول رحمة الله عليه " أخبر والدتك أن تركب الدابة وتذهب في الصباح الباكر إلي فلان في البلد الفلاني ،،، أتذكر أنه قال لي " أحمد أبو سويلم في بلدة تبعد عشرة كيلومترات ،، تذهب إليه وتقول له اعطني عِدَدْ كذا وكذا وأيضاً مبلغ وقدره أربعون جنيهاً ،،يقول هذه الكلمات بلفظها ،، يقول أيضاً أجعلها تذهب بعد ذلك إلى فلان في بلدة كذا وتقول له إعطني كذا وكذا " عِدَدْ ونقود " وأردف أيضاً إذهب أنت وأخيك إلى عبد الفتاح أبو مصطفي في البلدة المجاورة واطلب منه باقي الحساب وإن أنكر .. فاتركه لشأنه لأن هذا المبلغ سأحتاجه أنا ،، فقط إذهب إليه وقل له ذلك ،، إن أعطاك كان بها ولو لم يعطك فاتركه ولا تغضب ،،، هكذا قال ،، هكذا طلب ،، إنه في عداد الموتي ولكنه أتي بشحمه ولحمه ،، أتي بروحه لتخاطب روحي أثناء نومي ،،، ما كان مني إلا أن أيقظت والدتي وقلت لها ما رواه والدي رحمة الله عليه في التو واللحظة ،،،ولأنها كانت دائما ما تصدقني القول ، تقوم في الصباح وتذهب إلى حيث أمرها الوالد عن طريقي .. في منامي ،،، ولأنها كانت رحمة الله عليها دائماً ما تصدقني القول ،، تذهب إلى حيث يقيم هذان الشخصان في بلاد مجاورة لبلدتنا ،،، تقول لهم " المرحوم يقول لكم كذا وكذا " يقوم على الفور كلاً منهم بإعطائها ما طلبته منهما ،، سبحان الله ،،، ما معني ذلك ؟ هل ذلك من قبيل المصادفة أم ماذا ؟ إنها صديقي القارئ تلاقي الأرواح ،، ولكن دعني أقص موقفاً آخراً حتي نستطيع سوياً معرفة المغزى وراء هذا الحدث الغريب والذي لم أتبين له أية تفسيرات حتى الآن ،،، ذلك الموقف الذي كنت فيه أسير بمفردي في طريق طويل ،،،إلى محطة أتوبيس تبعد عن بلدتنا بريف مصر ما يقرب من ثلاثة كيلومترات أو أكثر قليلاً ،،، أحمل زاد وزواد سوف يكفيني لمدة أسبوع سأقضيه بعيداً عن أهلي ،، كنت متجهاً إلى مدينة بنها لقضاء هذا الأسبوع كعادتي أثناء الدراسة ،،، الحمل ثقيلاً ،،، الجو شديد الحرارة ،، أكاد أسير بالكاد ،، الطريق ترابي غير ممهد ،، ما أحمله يكاد يقصم ظهري ،، لا بد وأن أتحمل إذن مهما كانت المشاق ،، أمني نفسي بأمنية ما بعدها أمنية وأنا أسير وحدي ،، أمني نفسي لو جاء من يوصلني بهذه الأشياء إلى المحطة التي ما زالت بعيدة عني ،،، يارب ،،، وما أن خلصت من هذه الأمنية الغالية حتي وجدت من يقف بجواري مستقلا متوسيكل ،،، يقول لي أنت فلان ؟ ويردف قائلاً : بن فلان ؟ أقول له نعم أنا فلان بن فلان تحت أمرك !! يأمرني بالركوب خلفه ،، لم يكن أمامي إلا أن أنصاع إلى طلبه الذي تمنيته من ربي في هذه اللحظات حتي يرفع عني قسوة هذه المعاناة في ذلك الوقت الأشد قسوة ،،، دقائق معدودة ونصل إلى هذه المحطة التي أقصدها حتي أستقل منها الباص المتجه إلى بنها ،،، أجد ذلك الشخص يعود أدراجه مرة أخرى من حيث أتينا من نفس الطريق ،، أقول له قبل أن ينصرف ،، ما بك يا باش مهندس ؟ هل نسيت بعض حاجياتك ؟ يقول لي لا ,, أقول له ما الخبر إذن ؟ إيه الحكاية ؟ يقول لي بالحرف الواحد ... جاءني المرحوم والدك في منامي ليقول لي قم وأوصل إبني فلان في المكان الفلاني لأنه ماشي تعبان !!!!! يستجيب هذا المهندس لهذا الطلب الغريب الذي يطلبه منه رجل أصبح في تعداد الموتي قبل مضي شهر واحد على وفاته ،،، كيف ذلك ؟ هذا الرجل الذي يقوم من نومه بناء على أمر شخص متوفى ليس على دين الإسلام ،، إنه مسيحي ،، وهذا مما يدعو إلى شئ من الغرابة إذن !! إنه مسيحي الديانة !!! يقوم من نومه ليثبت لنفسه أولاً إن كانت هذه الرؤيا حقيقية أم لا !! يقوم ليجد ما رآه حقيقي وليس بشئ من الهراء !!
إذن إنها تلاقي الأرواح ... روح متوفي مسلم تأتي إلى روح حي أثناء نومه حيث أن النائم ميت ميتة مؤقتة فتذهب روحه وتري ما تشاء من أرواح الآخرين لا يفترق في هذا روح حي أم ميت ،،مسلم أم مسيحي ،، سبحان الله الذي ألف بين الأرواح لتناجي بعضها البعض حين تريد بقدرة من الله سبحانه وتعالى .................
والآن لنذهب إلى ما هو أغرب من ذلك ،، ذلك عندما كنت بالقوات المسلحة وقبل حرب السادس من أكتوبر مباشرة تحدث هذه المفارقة .. أرى ضمن ما أرى ليلاً وأثناء نومي رؤيا غريبة ،، أرى شقيق العسكري الصعيدي زميلي بالقوات المسلحة ،، أراه وأتحدث إليه لبعض الوقت وفي الصباح أجدني أقول لزميلي هذا أن أخيك شكله كذا وكذا .. سوف ينجح إن شاء الله ويدخل القوات المسلحة وأيضاً ستكون خدمته في هذا اللواء ،، وفعلاً ما هي إلى شهور قلائل لأرى هذا الشخ بشحمه ولحمه كما رأيته من قبل ... فهل هذا من قبيل المصادفة أم إنها تلاقي الأرواح .......
رحمة الله لأمي في ذكراها العطرة والتي استطاعت بقدرة فائقة من قيادة دفة أسرة كبيرة قوامها خمس من الصبية وثلاثة من البنات في تلك الآونة التي رحل فيها والدنا فجأة ونحن صغار ،، ما نزال بالتعليم الأولي في تلك السنوات ،، رحمة الله على أمي التي استطاعت بمفردها من تكملة المشوار الصعب لهذا الحمل الكبيرة ،،،
رحمة الله عليها لأنها كانت تحملني كثيراً أثناء مرضي بخراج كبير منعني عن السير ،، كانت تحملنى فوق كتفيها لتطببني لدي أخصائي يبعد كثيراً ..كثيراً عن بلدتنا ،، كانت تحملني لما يقرب من العشرة كيلومترات ذهاباً وإياباً ولم تتذمر مطلقاً ،،،
هكذا كانت قوية بإرادتها رغم نحالة جسدها الطاهر ،، حقاً أنني أفتقدها كثيراً ،،، لن أنسى تحملها مشقة السفر راكبة دابتها لمسافة تزيد عن الخمس عشر كيلومترات ذهاباً وإياباً حتي تطمئن عليَّ وسط الاسبوع الذي كنت أقضيه بعيدا عنها في مدينة بنها ،،، لن أنسى لها جميل صنعها ما حييت ،،، لن أنسى يوم وفاتها ،، كنت إذا ذاك في القوات المسلحة ،،، كنت إذ ذاك أقوم باستلام مبالغ طائلة هي مرتبات الجند في الوحدة التي كنت أنتمي إليها في إحدى جبهات القتال ،،، لم أستطع عد مبلغ الفي جنيهاً فقط ،، أحسست وشعرت بها لحظة خروج روحها الطاهرة إلى بارئها ،، لحظتها توقفت عن عد النقود بعد أن فشلت تماماً ،،،لحظتها اقشعر جسدي وكياني في نفس اللحظة التي خرجت روحها الطاهرة ... كنت شارد الفكر ،، وهذا ما تأكد لي في اليوم التالي حينما جاء تلغراف يحمل نبأ رحيلها ،،، أسكنك الله فسيح جنات الخلد يا أمي جزاء ما عانيته من أجلنا ونحن ما نزال صغاراً ،،، تغمدك الله يا أمي بمتسع من جنات الخلد جزاء ما تحملتيه من أجلنا واليوم في ذكراكي أبعث إليك بخالص دعواتي لروحك الطاهرة ،، ووداعاً حتي ألقاكِ في القريب العاجل بإذن الله تعالى ...............

نور الدين محمود أبو النور
0169582301

موضوع جميل لانه واقعى
رحمه الله عليها
تقبل مرورى

أخي الأستاذ محمد سرور .. أشكر أخي لمرورك الكريم على هذا العمل .. كل عام وحضرتكم بخير أخي العزيز .. آسف لتأخري في الرد عليكم
أخوكم